حضارة دلمون


حضارة دلمون




 كانت خاصية من عناصر العمارة الإسلاميّة المميّزة لها إلا إن بدايات هذا الفن المعماري ؛ و ان اختلف المسمى يبقى التشييد معنى لها . و في عمارة دلمون المدنية و ما تبعها حضور  يبقى لفن المقرنص :- وقعاً جميلاً على مسامع العارفين بالعمارة و الزخرفة وأساطير منحرفة البناء، وأجمل من ذلك على ناظرعشاق الفن والباحثين عنه، و الاحجام وحركات النور والظلام.


إلا إن أدواراً مرت بهذا الفن المعماري القديم الأثري ؛ و التراثي الإسلامي الأصيل ؛ يشبه المقرنص الواحد إذا أُخذ مفصولاً عن مجموعته - شكل تجويفا صغيراً، أو جزءً طولياً منه. حتى يغدو محرابا و قبب ؛ وهو ذو أنواع وأشكال متعددة، ولا يُستعمل إلاّ متكاثراً متزاحماً بصفوف مدروسة التوزيع والتركيب، متجاورة متعالية، حتّى لَتبدو كلّ مجموعة من المقرنصات وكأنّها بيوت النحل أو أقراص الشَّهد علوية منها الهابطات ( Stalactite) ) أو الجوفية الأرضية المتشابكة كمدافن سار النحلية المتشابكة و المتلاصقة أو المدافن الدائرية المتلاصقة أو غرف المدافن المتراكبة . .. حيث تتلاصق خلاياها وتجمع بين عناصرها خطوط وكُتَل متناغمة، رياضيّة التصميم، متناهية في الدقة، تؤدي وظيفة معمارية محددة، ودَوراً زخرفياً جمالياً يتجاوز كلّ حدود، وكأنّها منحوتات «سُرْيالية» ذات مدلول رمزي وبُعد ما ورائي.


مع فن عمارة و تشييد المقرنصات ؛ لا تنتهي المساحات، بل يتصل فيها بعض الجدران ببعض ، وبالسقوف والقِباب والشرفات، ولا يتوقف النظر عند حدّ، وكأنّها مرتبطة بالزخرفة التي لا بداية لخطوط زخارفها ولا نهاية.

تغطّي المقرنصات المعاصرة المجالات المقعّرة والتقاءَ السطوح الحادّة الأطراف في الأركان بين السقف والجدران وأسفل الشرفات في المآذن ورؤوس مداخل المنابر. وهي تقضي أيضاً على مناطق الانتقال المفاجئ من مربّع قاعدة القبّة إلى الشكل الدائري. وهي تهيمن بشكل خاص على الحنايا الركنية وسماء القباب وطاساتها الخارجية.

ورد اسم مقرنص) في المشرق ( ومقربص) في المغرب الإسلامي) أو الدلايات) في مصر،) وهو في المعجم الوسيط ( مقرنس) . و قرنس السقف والبيت زينه بخوارج منه ذات تدريجمتناسب فهو مقرنس، وهي كلمة مفردةتعني الجمع وفحواها التدريج.

ويعتقد أنها كلمة اقتبست وعربت بإضافةالميم العربية لها، بغرض تفعيل اللفظةاليونانية (كارنيس Karnies) ) ومعناها الطنف أو النتوء الخارج منالبناء والذي مازال له نفس المعنى في اللغات الأوربية Cornice أوCornish) ) أما الدارسون لعمارةالمسلمين من الأجانب والمستشرقين،فقد أطلقوا عليه اسم (ستالكتيت ، بماخال لهم في محاكاته لتلك الأصابع الجصية الهابطة من سقوف الكهوف.


والمقرنص عنصر بنائي ذو مصادر وأصول إنشائية، وهيأة المقرنص تتكون من مجموعة من الحنايا المقببة التي يتدلى أو يستقر بعضُها فوق بعضبطبقات أو صفوف طنفية، وعادة ماتكون متدرجة بشكل متناوب وتدعى تلك الصفوف حطات ، وابسُطها يبدأ بواحدةثم بثلاث حنايا.

وتكمن عبقرية عمارة الدلمونيين البدائية في المدافن و التلال و المعابد و أسوار المدن وتميزها عن مدارس العَمارة الأخرى في الحضارات الملاصقة لها كالرافدين و فارس بحذلقتهاوابتكاراتها العضوية، حينما استطاعت أن تتئقلم وتنقل هذا العنصر الإنشائي البحتإلى عالم الفن و المنظومة الجماليةللعَمارة بدون عناء كبير، والذي تسنى لهأن يغنيها ويغتني بها، وينسجم تباعا مع المنهج التجريدي الذي اختطته الفنون والعناصر الجمالية المتماشية مع مفهومالفن العقائدي الباحث عن روحانيات الأمور بعيدا عن ظاهرها الملموس، وهذهريادة فنية سبقت بها فنون ذاك العصر الحضاري أئنذاك .

ويمكن أن يكون من أكثر الأمورالجديرة بالانتباه هو ربط وتآلف العناصرالمعَمارية والزخرفية البسيطة جدا و التي بفعل الطبيعة امتحت في الأثار الباقية و العمارة الدلمونية و التايلوسية حتى الإسلامية منها ، وهذه من أكثرالقضايا ذات الدلالات العقلية التي يمكنأن يكون وراءَها كمُ من التطبيقات والنظم الهندسية والرياضية التي تمخضت عنها الحركة العملية البنائية التي جاء بها المعماريون في الحقبة الإسلامية ، والتي تجسدت في مناحيالحياة العملية والفنية.

إن أشكال المقرنصات البدائية بدء ً من دلمون عملت من وحي التصميمالمعماري العقائدي للمدفن أو التل أو المعبد . ونلمس من خلال ذلك أن قوةالعَمارة تكمن في مدى التجانس بينالإنشاء و التشيد و قليلا من إظهار الزخرفة، إذ أن أهمية العمل الفني في تشييد العمارة ككل ، تزيد على أهميةمجموع الوحدات المتألَف منها.


وفي سياق ذلك نجد المقرنصات التيعولجت بها بطن إحدى مدافن عالي الملكية بما توحيه من محاكاة للسماوات بجانب المدافن الصغيرة الدائرة حول المدفن الكبير الدائري ، ولاسيما العناصر المتآلفة الموحية بثبوت المكان كمدفن مقدس وحركة الكون من حوله.

ومن الجدير بالذكر بأن أقدم اللقىالأثرية التي عثر عليها لحقب حضارة دلمون و تايلوس و الحقبة الإسلامية جاءت تحاكي هذا العنصر ؛ جاءت فيبقايا عمائر و مدافن سار كالمدافن النحلية المتشابكة و معابد بار بارالدلمونية و مدافن الحجر التايلوسية و حلة العبد الصالح اسلامية الفترة ، والذيأعان في تكوينها الخاصية التشكيلية التي يهبهُا استعمال الحجر و تقطيعه المتقن التكعيبي ؛ و الذي يبدو هذا كالطوب أو الطابوق المربع في التنفيذ،وهي خاصية تعود للعَمارة الدلمونية القديمة والتي هي الأقرب إلى المنطق العقلي في اختراع هذا العنصر واستغلال إمكانياته الذاتية من المتوافر الخام من أحجار و صخور في جزيرة البحرين.


المقرنص البدائي الدلموني ظهر لاحقا ومكملا للنقلة التي حدثت بعد بناءالمدافن الدلمونية الملكية منها و غيرها في تشييد مدافن ذات غرفتين و ذا ممرات و أقواس مشيدة على الحجراتالدائرية أو المستطيلة بالنسبة للمدافن الملكية في عالي بعد الحاجة فيتطويرها إلى أشكال أخرى تبلغ ثمانية أشكال لهذه المدافن الذي يحققا امتيازات وظيفية وشكلية ورمزية لها المدافن المشيدة بالصخور فقط دون الأخشاب و نحوها، وبعدما ظهرتالحاجة إلى ملء الزوايا الفارغة التي تطورت لاحقا بسبب ملكات مادة الآجر الواهنة.

وان واقع الحال المتعارف عليه هنا هوعدم توفر الخشب فيها و الاعتماد الكلي في التشييد على الصخور فيها والذيجعل من هذا أسلوباً حاذقاً للقفز فوقهاوالاستغناء عنها في الانشاءات ، في توفير الجسور الحجرية كما هو الحالفي عَمارة تشييد المدافن العتيقة.


وتشير أقدم الدلائل المكتشفة في العَمارة الدلمونية اليوم إلى أن عنصر ( التربيع للمدافن و المعابد كفن معماري دلموني متميز لاسيما معابد دلمون تتميز بقاعدة متلاصة من هذه الأحجار المتلاصقة صفا كبنيان راسخ الجذور كابتكار دلموني فريد من نوعه .

إن الآثار الباقية لحقب دلمون الثلاث و تليها تايلوس حتى الفترة الإسلامية والتي كشفت عنها حفائر بعثات التنقيب الأجنبية المختلفة و المحلية للمواقع تلك (تدلنا عن مكونات وعناصر بنائية مقعرةبشكل سطوح وبطون توحي بكونها لواكتملت فأنها تكون عنصر المقرنص بحذافيره.

ومن أقدم الأثار الباقية هي الموجودةفي مدافن عالي الملكية الدلمونية الفترة التي تعود للعام 2230 ق . م، وفيسور و بوابة المدينة الثانية الدلمونية 2200 ق . م وكذلك في الطنف العلوي الموجود على مدافن الحجر في الفترة التايلوسية 330 ق.م ) ، وكذلك في موقع الحلة الإسلامي .

وتشير الدلائل إلى إن عنصر المقرنص البدائي القديم الموجود في العمارة القديمة لحضارات البحرين حيث ورد هذا اللون من العمارة البدائية عنصرالمقرنص في طراز العَمارة القديم في دلمون و إن لم يرد ذكر هذا العنصر أو لم تتطرق دراسات له و لا ذكر دراسةتفصيلية عنه من الفترة الأولى وربمابشيء مقتضب في مرحلة متأخرة،ولاسيما فيما يخص الطرح التحليلي لكينونته .

ليست هناك تعليقات

Ajouter commentaire